آراء و مقالات

جعفر عباس يكتب: هلا بالخميس وهلا بالشتاء..

(إعادة وما زلت على سفر)
يعشق معظم السودانيين فصل الشتاء لأنه يقوم مقام الربيع (المفقود) فيكون فيه الجو معتدلا، ولا تعرف شدة البرد الشتائي إلا مناطق في اقصى شمال البلاد، ولمن ما زالوا ينكرون حدوث تغيرات مناخية هائلة أقول: هل تذكرون كيف كان الناس في جميع أنحاء البلاد لا يغادرون بيوتهم شتاء قبل نحو عشرين سنة إلا وهم يرتدون فانيلات الصوف وهل هناك اليوم من يفعل ذلك ما بين ديسمبر وفبراير؟
حتى من يعانون من شدة الفقر يميلون الى تفضيل الشتاء على الصيف، فحتى لو اشتد عليهم البرد يمكنهم التغلب عليه بارتداء ما توفر لديهم من ملابس وبالتدفئة بنار الحطب بينما حتى العري التام لا يعين الانسان على التغلب على الحر، وفي الشتاء يحلو النوم ويحلو الأكل، وخير الطعام شتاء قراصة من الصاج مباشرة الى الفم، ويستحسن ان يجلس الآكلون على مقربة من الصاج الذي تُعد فيه القراصة، وإذا كنت سعيد الحظ ومن عائلة تعرف كيف تطبخ التركين (الملوحة) فإنك ستفقد السوائل في عز الشتاء وأنت تتناول القراصة بالتركين والعرق يتصبب حتى من فروة رأسك فما أشهاها بالبصل والشطة
وفي كل شتاء تعود بي الذاكرة الى ذلك العصر الذي كنت استحم فيه “مجبرا” مرتين في الشهر شتاء بأمر الست الوالدة وتحت اشرافها المباشر، ثم بلوغ مرحلة من التحضر بالاستحمام مرة كل أسبوع بعد غلي الماء وصبه في جردل ليختلط بماء بارد، ثم قبلها تفريغ البلاعة من افرازات من سبقوني الى الاستحمام؛ وعند مقدم كل شتاء تحضرني وقائع معينة أوردتها في كتابي “سيرة وطن في مسيرة زول”، وأشهرها تجربة العيش في بيت الشباب الكاثوليكي في شمال لندن واكتشاف ان الحمامات بلا أبواب وكانت الصدمة انه حتى الذين كانوا ينتظرون الدور للاستحمام كانوا يقفون ام فكو (وللذين لا يعرفون معنى هذه الكلمة أقول إنها تعني ميطي- وفسر الماء بعد الجهد بالماء)، وتفاديا للردة الى مرحلة الصبا والاستحمام مرتين في الشهر، صرت أنزل الى تلك الحمامات في نحو الرابعة فجرا وافتح الماء الساخن فيها جميعا وهي خالية من البشر حتى تتشكل كتلة من الضباب تجعل الرؤية مستحيلة ثم استحم، ومن باب اللعب على المضمون أكون مرتديا سروال (مايوه) سباحة
ثم استأجرت غرفة في بيت مسز وايت، وكانت وايت (بيضاء) بالفعل، وكان لي حمام خاص وفي أول يوم لي هناك وبعد ان وضعت أمتعتي في الغرفة دخلت الحمام ونزل الماء الدافئ على جسمي وطفقت أغني “وين وين تلقو زي دا”، ثم صرخت: وي بيوووو، ثم بالإنجليزية we be you فقد صار الماء مثلجا قطبيا، وجاءت مسز وايت وصاحت من خلف الباب: آر يو أوكي؟ هل أنت بخير؟ فصحت: أي أي أي، مي داي me die ونجحت في الخروج من تحت الماء وارتديت ملابسي، وانفجرت في وجه مسز وايت لأنها خصصت لي حماما “بايظ” ولكنها شرحت لي ان الحصول على الماء الدافئ في الحمام يستوجب تغذية عداد الحمام بقطع نقدية
وعدت الى الغرفة وأعددت فتة شوربة عدس “كاربة” وبعد قضاء بعض الوقت في مشاهدة التلفزيون لزمت الفراش ونمت، وبعدها بكثير او قليل أحسست بزلزال وصار جسمي يهتز وأسناني ككككككككك، اششششش، ثم صرخت لا شعوريا: وي بيوووو، ثم سمعت طرقا على الباب وحسبت ان شرطة اسكتلند يارد جاءت لإغاثتي، فإذا بها مسز وايت على الباب التي أدركت انني على وشك الهلاك من البرد فانصرفت ثم عادت وقامت بتغذية جهاز التدفئة بقطع معدنية فانبعث الدفء في الغرفة واعتذرت لأنها لم تنبهني الى ضرورة تغذية نظام التدفئة بالمال
وأطمئن الجميع بأنني استحم شتاء على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع وان الردة الى عصر الاستحمام مرتين في الشهر “مستحيلة” ومرحبا بحكاياتكم مع الشتاء والاستحمام فيه



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *